قل لمن جرحك
إنـك نسيتهـم .. وأدر لهـم ظهـر قلبـك ,
وأمـض ِفـي الطـريق المعاكـس
لهـم فربما كان هناك.. فـي الجهة الأخرى..
أناس يستحقونك أكثـر منهـم
قل لهم
إن الأيـام لا تتكـرر.. وإن المـراحـل لا تعـاد ..
وإنـك ذات يـوم .. خلفتهـم
تمـامـاً كمـا خلفــوك فــي الـوراء
وإن العـمـر لا يعـود إلــى الــوراء أبــدا
قل لهم
إنك لفظت آخر أحلامك بهـم.. حين لفظت قلوبهـم..
وإنك بكيت خلفهـم
كثيـراً حتـى إقتنعـت بمـوتهـم
وإنـك لا تملـك قـدرة إعادتهم إلـى الحياة
قل لهم
إن رحـيلهــم جعلـك تعـيـد إكتشاف نفسـك..
وإكتشـاف الأشيـاء حولـك
وإنـك إكتشفــت أنهـم ليـسـوا آخـر المشـوار..
ولا آخـر الإحساس..
ولا
آخـر الأحـلام.. وأن هنـاك أشيـاء أخــرى جـمـيلـة.. ومـثيـرة.. ورائعــة
قل لهم
إنـك أعـدت طـلاء نفـسـك بعـدهـم..
وأزلـت آثـار بصمـاتـهـم مـن جـدران أعماقـك..
وأقتلعـت كـل خناجـرهم من ظهرك وأعدت ولادتك مـن جديـد
وحرصت على تنقية المساحات الملوثة منهـم بك
وإن مساحتك النقيـة
مـــا عـــادت تـتـســع لـهـــم
قل لهم
إنك أغلقت كـل محطات الإنتظار خلفهـم..
فلـم تعـد ترتـدي رداء الشـوق
وتقـف فـوق محطـات عودتهـم.. تترقـب القـادميـن.. وتدقـق في وجـوه المسافريـن..
وتبحث في الزحام عـن ظلالهـم وعطـرهـم وأثـرهـم
عـل صـدفــة جـمـيـلــة تـأتــي بـهــم إلـيــك .
قل لهم
صـلاحيتهـم إنتهت.. وأن النبض في قلبك ليس بنبضهم.. وأن المكان فـي ذاكرتك ليس بمكانهم..
ولم يتبق لهم بك سوى الأمـس..
بكل ألم وأســى وذكـــرى الأمـــس .
قل لهم
إنـك نزفتهـم في لحظـات ألمـك كدمـك..
وإنـك أطلقـت سراحهـم منـك كـالطيـور
وأغلقـت الأبـواب دونـهـم وعـاهـدت نفسـك
ألا تفـتـح أبـوابـك إلا لأولئـك
الــذيــن يسـتـحـقـــون .
قل لهم
إن لكـل إحسـاس زماناً.. ولكل حلم زماناً..
ولكـل حكايـة زمانـاً..
ولكـل حزن زماناً.. ولكل فـرح زمانـاً..
ولكل بشـر زمانـاً.. ولكـل فرسـان زمانـاً
وإن زمنهـم إنتهـى بــك منـذ زمــن .
لا تقل لهم شيئا.
إستقبلهم بصمت فللصمت أحيـاناً قـدرة فائقـة علـى
التعبيـر عمـا تعجـز الحـروف والكلمـات عـن تـوضيحــه
لكن لا تدمر حياتك إن غاب عنك إنسان تحبه
فالحياة ساحة واسعة ونحن كبشر اعتدنا أن نختلط بالناس
ونتعرف عليهم ونكون علاقات إجتماعية
تختلف بين شخص وآخر ..
لكن أقوى هذه العلاقات هي الصداقة
فالصديق هو إنسان نحبه ونضحي براحتنا من أجله
وهو موضع ثقتنا الكبيرة
ولا يحلو لنا العيش بعيداً عنه فهو الملاذ الآمن
ومستودع أسرارناومُخفف همومنا
لكن..
إذا وصلنا في علاقتنا بصديقنا لمرحلة أصبحنا
لا نتخيل أننا نستطيع أن نعيش بدونه ..
فماذا نفعل إذا فرضت علينا الظروف أن نبتعد عنه ؟
كيف سنواصل السير في دروب حياتنا دون اليد
التي كانت تسندنا وتراعينا ..
عندها ستتساقط دموعنا .. نعم
ولكن إذا بكينا هل سيعود الصديق من سفره أو من موته لا قدَّر الله ..
علينا أن نكوِّن صداقات ..
لكن لا يجب أن نضع كل آمالنا في شخص واحد نتعلق به قلباً وقالباً ..
لأن الحياة ساحة تجارب وابتلاءات ..
وفي لحظة قد تضطره الظروف للإبتعاد عنا ..
يجب أن نأقلم أنفسنا على العيش في كل الظروف ..
ومع مختلف الأشخاص ..
وأن نوزع اهتماماتنا ولا نحصرها بشخص واحد ..
نهتم بثقافتنا ..بأمور ديننا ..
وبالكثير من الأمور..
لأن الأثر الذي سيتركه رحيل الأحبة سيجعل حياتنا تعيسة
يكتنفها الهم والحزن ..
الذي لا طاقة لنا على احتماله ..
ومن الصعب علينا أن نعلق آمالنا على شخص
لا يرغب بوجودنا ..
فهذا شعور أليم
علينا أن نتعلق بالقائم الذي لا يغفل ..
بالحي الذي لا يموت ..
بخالق الخلق ..
الرحمن الرحيم ..
الذي لا ينام ..