عيادة المريض
دين الإسلام دين التآلف والترابط، دين تدعو تعاليمه إلى المحبة والصلة بين أبنائه، مما يزيل الجفوة من النفوس، ويثبّت أركان التآخي، وأواصر الألفة.
فكانت رابطة الإيمان أقوى وشيجة، تكون سبباً في إزالة الجفوة، وتمكين المحبة,, وكانت عقيدته من وسائل الألفة بين قلوب عباد الله المؤمنين، حيث امتنّ الله بها عليهم بعد أن كانوا جفاة متفرقين، يقول سبحانه: وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم ]الأنفال 63[.
تعاليم دين الإسلام بمصدريه: الكتاب والسنة التي قرعت أسماع الصحابة، عندما منّ الله عليهم بالإسلام، جعلتهم يحرصون على ترسيخ أواصر المحبة، وتأصيل عرى الأخوة الإيمانية، بين بعضهم، غير مميزين بين عربي أو عجمي، وبين أبيض وأسود، إلا بالتقوى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]الحجرات 13[.
فقد جعلت أوامر هذا الدين للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً، يلزمه الوفاء بها والحرص عليها، فقد روى البخاري ومسلم حديثاً رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ,, وفي حديث البراء بن عازب زيادة وإبرار المقسم، ونصر المظلوم ,.
وكل هذه الأمور إذا تمعّن فيها المرء يراها بسيطة الأداء، عظيمة الأثر، تقرّب القلوب، ولا تكلّف شيئاً وجاء معها وعد بالأجر الكبير عند الله، مما يعطي نظرة حول دين الإسلام بأنه سبق الحضارات كلها إلى مفهوم السلام، وعمق المحبة، التي لم تكن لمصالح دنيوية, وفي مقدمتها زيارة المريض,, واتباع جنازته إذا توفي,, فالمصائب التي تقع على الإنسان كالمرض وغيره، هي ابتلاء للنفس البشرية، وامتحان لما يعمله صاحبها، وما يتعاطف معه اخوانه المسلمون من أجله,, فهو كمريض: فالمرض تطهير للنفس مما اقترفته من سيئات، وتذكير لغيره بأن كل فرد معرض للمرض، وما يجب أن يقوله المريض عندما يقع عليه: دعاء مع الله واحتسابا لما وراء ذلك من أجر، وتحملاً وعدم الجزع,.
ولأن المرض امتحان للنفس بالصبر والرضا، فإن الصدمة الأولى للمصيبة: سواء كانت مرضا أو فاجعة تعتبر امتحاناً عندما تقع: هل يرضى ويستسلم لقضاء الله وقدره، ويحمد الله على ذلك ليحاسب نفسه عما بدر منها، فيما بينه وبين الله بحقه سبحانه، أو ما بينه وبين الناس في حقوقهم الخاصة: من مال أو عرض.
أم يتسخّط ويجزع، وينكر نعمة الله عليه وفضائله التي لا تعدّ؟!
فالصبر والاحتساب لأمر الله عند الصدمة الأولى واجب، وإن لم يصبر فإنه لم يجن إلا على نفسه، ذلك أن المصيبة التي حلت به كالمرض مثلاً لن يزيلها الجزع، وعدم الرضا، بل يكسب إثماً مع ألم المصيبة، أما الصابر رضاً بما قدر الله عليه، واحتساباً لما عندالله، فإنها تخف عليه آلامها الجسمية والنفسية، ويثاب على ذلك.
والناس في المجتمع أعوان على الخير، لأنهم يتأدّبون بأدب دين الإسلام، وينطلقون في معالجة ما يقع عليهم في أنفسهم، بما تدعوهم إليه تعاليمه، وما صدر من أوامر من مصدري التشريع: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه وطبّقه المدركون لعمق الدلالة من الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلماء هم الفاهمون في كل عصر ومصر، لأنهم ورثة الأنبياء، ويعلّمون الناس تطبيقياً لما فهموه من شريعة الله، وما فيها من علاج لكل أمر يمر بالإنسان، ومنها مقابلة المرضى، وكيفية التعامل معه، في النفس او مع الآخرين، تهذيباً وصبراً,.
ويبدأ الأدب تعاملياً مع المصيبة، من الإنسان نفسه، والمرض والحادث الذي ينتج عنه مرض في النفس، أو أحد الأحبة، مصيبة من المصائب، وذلك بالرضا والقناعة، والدعاء المأثور الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، فقد روى مسلم في صحيحه في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا آجره في مصيبته، وأخلف له خيراً منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما يأتي من الآداب التي تربط المسلمين ببعضهم، وتريح المريض، بل إنها تعطي أثراً نفسياً في راحة النفس والعلاج، وتخفيف وطأة الألم الاهتمام بالمريض، ومعلوم الأثر النفسي، الذي بدأ أطباء الغرب، يدخلونه في العلاج، لما له من أثر، يعين على النشاط، وتفاعل الجسم مع الأدوية.