أحزان في الأندلس
كتبت لي يا غالية..
كتبت تسألين عن إسبانية
عن طارق، يفتح باسم الله دنيا ثانيه..
عن عقبة بن نافع
يزرع شتل نخلة..
في قلب كل رابيه..
سألت عن أمية..
سألت عن أميرها معاوية..
عن السرايا الزاهية
تحمل من دمشق .. في ركابها
حضارة .. وعافيه..
***
لم يبق في إسبانية
منا، ومن عصورنا الثمانية
غير الذي يبقي من الخمر،
بجوف الآنية..
وأعين كبيرة .. كبيرة
ما زال في سوادها ينام ليل البادية..
لم يبق من قرطبة
سوى دموع المئذنتان الباكية
سوى عبير الورد، والنارنج والأضالية..
لم يبق من ولادة ومن حكايا حبها..
قافية. ولا بقايا قافيه..
***
لم يبق من غرناطة
ومن بني الأحمر.. إلا ما يقول الراوية
وغير " لا غالب إلا الله "
تلقاك بكل زاوية.
لم يبق إلا قصرهم
كامرأة من الرخام عارية..
تعيش - لا زالت - على قصة حب ماضيه..
***
مضت قرون خمسة
مذ وجل " الخليفة الصغير " عن إسبانية
ولم تزل أحقادنا الصغير ..
كما هي
ولم تزل عقلية العشيرة
في دمنا كما هي
حوارنا اليومي بالخناجر..
أفكارنا أشبه بالأظافر
مضت قرون خمسة
ولا تزال لفظة العروبة
كزهرة حزينة في آنية..
كطفلة، جائعة.. وعارية
نصلبها .. على جدار الحقد والكراهية.
***
مضت قرون خمسة .. يا غالية
كأننا .. نخرج هذا اليوم من إسبانية..
غرناطة
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا..
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان.. في حجريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها
قالت: وفي غرناطة ميلادي
غرناطة! وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأمية .. راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني
لحفيدة سمراء.. من أحفادي
وجه دمشقي .. رأيت خلاله
أجفان بلقيس .. وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة
كانت بها أمي تمد وسادي
والياسمينة، رصعت بنجومها
والبركة الذهبية الإنشاد
*
ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختزنا شموس بلادي
في طيب " جنات العريف " ومائها
في الفل ، في الريحان، في الكباد
سارت معي .. والشعر يلهث خلفها
كسنابل تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريخ .. كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت : هنا الحمراء .. زهو جدودنا
فأقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا
ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهم أجدادي
*
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلا يسمى " طارق بن زياد